قصة النمرود بن كنعان: رجل عذّبه الله ببعوضة

النمرود بن كنعان يعد أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الأمم القديمة، حيث ملك الأرض من شرقها إلى غربها. وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ ملكوا الأرض: مؤمنان وكافران، أما المؤمنان فهما: سليمان بن داود، وذو القرنين، وأما الكافران فهما: النمرود بن كنعان، وبختنصر". وسنسرد قصص هؤلاء الأربعة في هذا المقال، حيث سنتناول بالحديث عن النمرود وتفاصيل حكايته.

كان النمرود ملكًا طاغيًا ادعى الألوهية وقال: "أنا أحيي وأميت"، متحديًا بذلك قدرة الله تعالى. كان مثالًا حيًا على الكبرياء والتعالي الذي قد يؤدي إلى هلاك صاحبه، حيث استمر في ظلم الناس واستعبادهم، ليكون هذا التكبر هو السبب الرئيسي في نهايته المأساوية. فقد عذّبه الله ببعوضة صغيرة كانت سببًا في هلاكه بعد أن ظل جبارًا في الأرض. 

لكن ما هي البداية الحقيقية لقصة هذا الملك الطاغي؟ وكيف انتهت حياته بتلك الطريقة المريعة؟ دعونا نستعرض معًا تفاصيل هذه القصة التي تحمل عبرة عظيمة.

The Story of Nimrod bin Canaan
قصة النمرود بن كنعان: رجل عذّبه الله ببعوضة TheStory of Nimrod bin Canaan

النمرود وحكمه الجائر

النمرود بن كنعان كان ملكًا عظيمًا في الزمن القديم، وقد حكم بلاد الرافدين وتحديدًا في ما يُسمى اليوم بالعراق. ورغم عظمته الظاهرة من ناحية الملك والمال والسلطة، إلا أن بداياته كانت مليئة بالتكبر والتعالي. فقد ادّعى الألوهية، وتفاخر بقدراته، بل وصل به الأمر إلى القول: "أنا أحيي وأميت، أنا أقتل من شئت وأستحيي من شئت". كان يُظهر نفسه كإله على الأرض، يتصرف في خلق الله كما يشاء، متجاوزًا حدود الله وتحديًّا له.

في ذات يوم، بينما كان النمرود يمر بين الناس في أرضه، سألهم: "من ربكم؟" ليُجيب معظمهم بأن الرب هو النمرود نفسه. ومع ذلك، كانت هناك استثناءات قليلة، ومن بينها النبي إبراهيم عليه السلام.

قال  زيد بن أسلم: اول جبار في الارض كان نمرود ,فكان الناس يخرجون ويختارون من عنده من الطعام ليأكلوا.. فخرج معهم مرة سيدنا "إبراهيم" عليه السلام ليختار من الطعام مثل الناس..

حوار النمرود مع إبراهيم عليه السلام

كان النمرود بن كنعان نموذجًا حيًّا للسلطة المطلقة والطغيان الجائر، حيث استخدم قوته ونفوذه لأجل تحقيق رغباته الشخصية. فقد ملك الأرض من شرقها إلى غربها، وظنّ في نفسه أنه لا إله سواه. لم يكن النمرود يكتفي بالكلام الفارغ عن سلطته؛ بل كان يُظهر جبروته بأفعاله وأعماله القاسية. كان يتحدى الله تعالى في كل شيء، ويعيش في رفاهية على حساب معاناة رعيته. 

وكان النمرود لا يتوانى في إظهار جبروته على الناس. فقد كان يتجول بين رعيتِه ويسألهم، "من ربكم؟"، وفي كل مرة، كان الجميع يجيب: "أنت، يا ملكنا!"، فقد أرهبهم بسياسته الجائرة وأوقعهم في خوف دائم. 

لكن، في أحد الأيام، مرّ النمرود على النبي إبراهيم عليه السلام، وكان هذا اللقاء نقطة فاصلة في حياته. سأل النمرود إبراهيم عن ربه، فأجابه إبراهيم بثقة: "ربي الذي يحيي ويميت". لكن النمرود، الذي كان يظن أنه لا يوجد من هو أعظم منه، رد عليه قائلاً: "أنا أحيي وأميت". هذا التحدي العجيب من النمرود دفع إبراهيم عليه السلام للرد عليه بحكمة ربانية، قائلاً: "فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب". فبهت النمرود، ووقعت كلماته عليه كالصاعقة، ولكن بدلًا من التوبة أو التواضع، أمره أن يُطرد من الطعام الذي كان قد عرضه عليه، ولم يُعطه شيئًا.

ومع ذلك، لم يعترف النمرود بهزيمته أو يتراجع عن كبريائه. بل بقي في عناده، حيث أغلقت أمام إبراهيم عليه السلام أبواب النمرود، ولم يحصل منه على أي منفعة سوى الإهانة والرفض. لكن الأهم من ذلك هو أن إبراهيم عليه السلام خرج منتصرًا في تلك المعركة الفكرية، على الرغم من أن النمرود لم يُظهر أي نية في الإيمان.

حياة النمرود في عزّ سلطته

النمرود لم يكن فقط طاغية في أقواله، بل أيضًا في أفعاله. كان يظن أنه لا يوجد إله سواه، ولذلك رفض أيّ دعوة للخشوع لله أو العبادة الحقيقية. كان يعيش حياة ترفية على حساب رعيته، يمرّ بين الناس ليُظهر سلطته عليهم. وقد جرت بعض الحكايات عن كيفية تعامل هذا الملك الجبار مع النعمة.وكان هذا الملك يمر بالناس .. فيسألهم: من ربكم؟.. ويقولوا: أنت ..

فبعث الله للنمرود ملكًا ليحثه على الإيمان بالله وتوحيده، لكن النمرود الذي كان يعيش في دائرة من الغرور والكبرياء رفض الإيمان. جاءه الملك مرةً أخرى، ولكن النمرود ظل على عناده وقال: "وهل يوجد رب غيري؟". وعندما جاءه الملك الثالث، كان الرد نفسه، فقد كان النمرود غارقًا في طغيانه وعصيانه.

وعلى الرغم من ذلك، كان النمرود قد تجرأ في تحديه لله سبحانه وتعالى، فوقع عليه عقابٌ عظيم. أمر الله تعالى أن يفتح بابًا من البعوض على جيش النمرود، ومن كثرتها، أكلت لحومهم وامتصت دماءهم حتى لم يبقَ منهم إلا العظام. لكن النمرود، الذي كان يظن نفسه منيعًا، لم يصبه شيء من تلك الحشرات الصغيرة. 

عقاب الله للنمرود: عبرة من بعوضة صغيرة

بعد أن تكبّر النمرود وأعلن نفسه إلهاً على الأرض، رُغم كل ما كان يمتلكه من قوة وجبروت، أراد الله تعالى أن يُظهِر له عظمته وقدرته، وليعلم هذا الطاغية أن سلطانه زائل أمام قدرة الله المطلقة. فبعث الله له بعوضة صغيرة، لكنها كانت سببًا في هلاكه. 

كانت هذه الحشرة الصغيرة قد دخلت في أنفه، ومع مرور الوقت، استطاعت أن تصل إلى دماغه، ما جعله يعاني الألم الشديد والمتواصل. ورغم كل محاولاته للتخلص منها، كانت هذه البعوضة تُعذّبه بلا رحمة. 

لكن العقاب لم يكن فحسب في الألم الجسدي، بل أيضًا في الإذلال والضعف الذي حلّ بهذا الملك المتكبر. فقد أمر الله أن يظل النمرود يُضرب بالمطارق والنعال طوال 400 سنة، في ظل المعاناة المستمرة التي لم ينجُ منها حتى وهو في قمة قوته وجبروته. 

وكان في هذا الوعيد والذل الذي لاقاه النمرود عبرة عظيمة لكل من يتكبر ويظن أن قوته يمكن أن تتفوق على قدرة الله. فمهما كانت مكانة الإنسان في الدنيا، فإن الله قادر على أن يعاقبه بأبسط الأسباب، لتظل هذه الحشرة الصغيرة درسًا في التواضع أمام عظمة الخالق.

النمرود: حكم الأرض لأربع مئة عام ثم نهاية بائسة

لقد ملك النمرود الأرض لفترة طويلة، وكان يبطش بمن يعارضه ويشهر في وجههم قوته وجبروته. وكان حكمه نموذجًا من الطغيان والاستبداد، حيث استمر في فساده وظلمه طوال تلك السنوات.

لكن مع مرور الوقت، جاء جزاؤه من الله تعالى، إذ بعث الله عليه بعوضة صغيرة كانت السبب في عذابه المستمر. هذه الحشرة الصغيرة التي اخترقت جسده، جعلته يعاني ألمًا لا يُحتمل، مما ألحق به الخذلان والضعف بعد أن كان يظن نفسه في أوج قوته.

ورغم فترة حكمه الطويلة، كانت نهايته عبرة عظيمة لجميع الطغاة والمستكبرين. فقد كان النمرود مثالًا على من يتكبر على الله ويظن أنه لا يُحاسب، ويستعبد الناس ويظلمهم دون خشية. لكن في النهاية، كانت العاقبة حتمًا لضعفه وتقصيره، لتُظهر للجميع أن الله قادر على معاقبة الظالم مهما طال الزمن.

الدرس المستفاد:

قصة النمرود بن كنعان تقدم درسًا عظيمًا للناس جميعًا. فهو مثال صارخ على أن الطغاة، مهما بلغت قوتهم، فإنهم في النهاية مخلوقون ضعفاء أمام قدرة الله عز وجل. النمرود الذي ادعى الألوهية وملك الأرض في زمنه، لم يكن يعلم أن النهاية ستكون ببعوضة صغيرة.

إن التكبر والتعالي على الخالق من أخطر الأمراض التي يمكن أن تصيب البشر. لقد دعا الله سبحانه وتعالى المسلمين والإنسانية جمعاء إلى التواضع وعبادته وحده، وعدم الادعاء بما ليس للإنسان. ومهما بلغ الإنسان من قوة وجبروت، فإن عليه أن يضع نصب عينيه أنه في النهاية سيُحاسب أمام الله.

لقد كانت نهاية النمرود عبرة لأولئك الذين يظنون أن قوتهم تساوي القدرة على التحدي والتصرف في هذا الكون، لكن في النهاية، يكون لله وحده الأمر والقدرة، ولا شيء يقوى على إرادة الله.

الخاتمة:

في النهاية، نرى أن طغيان النمرود قد جاء بنهاية مروعة جعلت منه عبرة لكل من يظن أن له السلطة المطلقة. فالنمرود كان في عز سلطته وجبروته، لكنه عندما تحدى الله وادّعى الألوهية، جُلب له عقاب الله الذي جعل منه هلاكًا بسبب بعوضة صغيرة. فمن خلال هذه القصة، نتعلم جميعًا قيمة التواضع وضرورة الإيمان بالله عز وجل.

---------------
المصدر: ( تاريخ الرسل والملوك/ لابن جرير الطبري )

تعليقات