اقتضت حكمة الله جل وعلا أن تكون حياة الإنسان في هذه الدنيا مزيجًا من السعادة والشقاء، والفرح والترح، والغنى والفقر، والصحة والسقم. هذه هي طبيعة الحياة الدنيا، دار سريعة التقلب لا تستقر على حال، يُختبر فيها الإنسان بالسراء والضراء ليُميز الشاكر من الجاحد، والموقن من المرتاب.
في قصة اليوم سنحكي لكم عن ثلاثة رجال من بني إسرائيل ابتلاهم الله بعلل جسدية، فجاءهم ملك ليختبرهم وليظهر معدنههم الحقيقي أمام نعم الله، وهذه القصة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي رواها الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. في هذا الحديث، يروي النبي محمد صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال من بني إسرائيل، الابرص والاعمى والاقرع .
القصة :
في زمنٍ بني إسرائيل، أصيب ثلاثة رجال ببلاء في أجسادهم، أراد الله عز وجل أن يختبرهم ليظهر من يشكر النعمة ومن يكفر بها. أرسل الله لهم ملَكًا ليختبرهم، فبدأ الملك بزيارة الرجل الأول، الذي كان أبرص، وسأله عما يتمناه. تمنى الرجل أن يزول عنه البرص وأن يُعطى لونًا وجلدًا حسنًا. فمسحه الملك، فشفاه الله من البرص وأعطاه لونًا وجلدًا حسنًا. ثم سأله الملك عن أحب المال إليه، فاختار الرجل الإبل، فأعطاه الملك ناقة حاملاً ودعا له بالبركة.
ثم ذهب الملك إلى الرجل الثاني، الذي كان أقرع، وسأله عما يتمنى. تمنى الرجل أن يزول عنه القرع وأن يُمنح شعرًا حسنًا. فمسحه الملك، فشفاه الله وأعطاه شعرًا حسنًا. ثم سأله عن أحب المال إليه، فاختار البقر، فأعطاه الملك بقرة حاملاً ودعا له بالبركة.
وأخيرًا، زار الملك الرجل الثالث، الذي كان أعمى، وسأله عن أمنيته. تمنى الرجل أن يعود إليه بصره، فمسحه الملك، فشفاه الله وأعاد له بصره. ثم سأله الملك عن أحب المال إليه، فاختار الغنم، فأعطاه الملك شاة حاملاً ودعا له بالبركة.
مرت الأعوام، وبارك الله لكل واحد منهم في ماله. فالأول امتلك واديًا من الإبل، والثاني واديًا من البقر، والثالث واديًا من الغنم. جاء وقت الاختبار الحقيقي عندما عاد الملك إليهم في صورهم القديمة.
جاء الملك إلى الأول في هيئة مسافر فقير أبرص وطلب منه بعيرًا ليواصل سفره، لكنه أنكر النعمة ورفض إعطاءه. فذكَّره الملك بما كان عليه سابقًا، لكنه أصر على الإنكار وادعى أنه ورث ماله. فدعا الملك عليه إن كان كاذبًا أن يعود إلى حالته السابقة.
ثم ذهب الملك إلى الأقرع في صورته القديمة وطلب منه بقرة، لكن حاله كان كالأول، إذ أنكر النعمة ورفض المساعدة. فدعا عليه الملك إن كان كاذبًا أن يعود إلى حالته السابقة.
وأخيرًا، جاء الملك إلى الأعمى في صورته القديمة وطلب منه شاة. اعترف الأعمى بنعمة الله عليه وأقر بالإحسان، ولم يعط السائل ما طلبه فحسب، بل عرض عليه أن يأخذ ما يشاء من المال. فأخبره الملك بحقيقة الاختبار وأخبره بأن الله رضي عنه وسخط على صاحبيه.
هكذا انتهى الاختبار، وظهر من شكر النعمة ومن كفر بها، ليكون الأعمى مثالاً على الإيمان والشكر، بينما كان صاحبيه عبرة في الجحود والكفر بالنعم.
ملخص القصة :
قصة الأبرص والأعمى والأقرع هي حديث نبوي يروي ابتلاء ثلاثة رجال من بني إسرائيل بعلل جسدية: البرص، القرع، والعمى. أرسل الله ملكًا ليختبرهم بعد أن شفاهم وأغناهم. طلب الملك منهم المساعدة في صورة فقير، فأنكر الأبرص والأقرع النعمة، بينما اعترف الأعمى بها وساعد الفقير. رضي الله عن الأعمى وسخط على صاحبيه، مما يبرز أهمية الشكر على النعم والاعتراف بفضل الله.
هذه القصة تعلمنا دروسًا عظيمة عن الشكر والجحود، وتُظهر كيف يكون الابتلاء نعمةً حين نواجهه بالصبر والشكر، وعقوبة حين ننكره ونجحد فضل الله علينا.