قصة الخوف من الله عز وجل هي من أروع القصص التي تُظهر مدى تقوى الصحابة والتابعين، وحرصهم على الطاعة والابتعاد عن المعاصي، حتى وهم في أعلى المنازل. يظهر في هذه القصص كيف أن الخوف من الله لم يكن مجرد شعور عابر، بل كان دافعًا دائمًا للعبادة والتقوى.
ذات يوم كان سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وارضاه في المقابر فبكي حتي ابتلت لحيته، فسأله اصحابه متعجبين : نذكر لك الجنة والنار فلا تبكي ونذكر لك القبر فتبكي ؟ فأجاب عثمان : لأول اول منازل الآخرة وإن خفف عن العبد فكان بعده اهون وإن لم يخفف عنه فهو ليس بهين ما بعده.
أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه، رغم مكانته العظيمة، فقد كان يخاف من الحساب يوم القيامة لدرجة أنه تمنَّى أن يكون طائرًا يأكل الثمر ولا يحاسب، رأي طيراً علي الشجر، فجثي علي ركبتيه وأخذ يبكي قائلاً : ياليتني كهذا الطير يطير علي الشجر و يأكل الثمر ولا احاسب يوم القيامة، مع أنه رضي الله عنه وارضاه من العشرة المبشرين بالجنة .
عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهو الذي كان معروفًا بعدله وتقواه، عندما كان يمشي مع الخليفة سليمان بن عبد الملك، وأمطرت السماء، فقال عمر بن عبد العزيز للخليفة سليمان : أخفت ؟ فأجاب سليمان : نعم، فقال : كيف بك يوم القيامة .
الفضيل بن عياض وسفيان الثوري، كانا يعيشان في حالة من الخوف الشديد من الله عز وجل. الفضيل كان رجل تقي ورع ومن فضلاء زمانه، وذات يوم كان في جبل عرفات وقال :"يا سوأتاه إن عفوت"، بينما سفيان كان يصفر لونه ويبول دمًا عندما يُذكر يوم القيامة وكان كثيراً ما يقول : اللهم سلم سلم، هذا الخوف كان ينبع من شعور عميق بالمسؤولية تجاه الله سبحانه وتعالى.
أما الحسن البصري رحمه الله، فقد كان دائمًا في حالة بكاء خوفًا من أن يُقذف به في النار دون أن يُبالِ الله سبحانه وتعالى. وعندما سُئل عن فتاة في البصرة تحتضر، ذهب ليواسيها، فرأي امها واباها يبكون ليها، فدخل عليها يؤنسها قالت له : يا ابا سعيد كيف لي ان اسافر لمكة ما كمكة لوحدي فانا خائفة اكون فكيف لا اخاف من الله رب العالمين .
وفي النهاية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"، مما يبرز كيف أن الخوف من الله كان شعورًا صادقًا وعميقًا في قلوب الصحابة والتابعين، وهو شعور يُعلّمنا أن نسعى جاهدين للطاعة والتقوى في كل جوانب حياتنا.
هذه القصص تبين لنا كيف أن الخوف من الله ليس مجرد خوف من العقاب، بل هو خوف من فقدان القرب من الله عز وجل، والخوف من عدم القدرة على تحمل الحساب يوم القيامة.