قصة وعبرة: الجارالسارق

قصة وعبرة 

كان والدي، رحمه الله، رجلاً مسنًا لم يُرزق بالأبناء في شبابه. كان يعيش حياة بسيطة في إحدى القرى الصغيرة، حيث كانت الظروف المعيشية صعبة والمستقبل مجهولًا بالنسبة له. سنوات طويلة مضت وهو يعيش وحيدًا، ولكنه كان دائمًا يحلم بتكوين عائلة صغيرة، يأنس بها بعد سنوات من الوحدة. وبعد وقت طويل، جاء الله بنعمة كبيرة، وهي أن رزقني الله، وقد كنت الابن الوحيد له.

رغم أن والدي كان في سن متقدمة، إلا أنه كان يحمل قلبًا مليئًا بالحب والحنان تجاهي. كان دائمًا يفكر في مستقبلي، ويخطط لي، ويتمنى أن يكون لي حياة أفضل من حياته. كنت أشعر بأهمية وجوده في حياتي، فهو كان دائمًا يبدي حرصًا شديدًا على تعليمي وتوجيهي نحو الخير. كان يصرّ على التحدث مع والدتي حول خطط المستقبل، وكنت أسمع بعض محادثاتهما التي كانت تثير في نفسي مشاعر متباينة بين الأمل والقلق.

قصة وعبرة: الجارالسارق

فعل المعروف

في إحدى الجلسات، سمعت والدي يناقش والدتي قائلًا: "أنا رجل كبير في السن وأنتِ كذلك، من سيعتني بابننا بعد وفاتنا؟" كانت كلمات والدتي، التي كانت تتفق معه في خوفه، مؤلمة، ولكنها كانت تعكس مدى تفكيرهم المستمر في مستقبلي، وكيفية ضمان حماية لي في غيابهما. كان والدي يدرك أن الحياة قصيرة، وأن الإنسان لا يعرف متى ستنتهي رحلته، ولذلك كان يسعى دائمًا لضمان مستقبل آمن لي.

ثم جاء اليوم الذي شهد فيه منزلنا، الذي كان مبنيًا من الطين، حدثًا غير متوقع. كان المطر يتساقط بغزارة، والأمطار كانت تتساقط من السقف في أماكن عدة. كان الوضع مقلقًا جدًا. في تلك اللحظات، سمعنا طرقًا على الباب، وعندما فتح والدي الباب، وجد جاره يقف هناك في حالة من الفزع. قال الجار وهو يلهث: "ساعدوني، فقد هدم المطر منزلي. لا أستطيع البقاء في هذا الوضع، أحتاج إلى مساعدتكم."

كان والدي معروفًا بكرمه الكبير، وكانت تلك المرة أيضًا خير دليل على ذلك. فكر في الموقف لحظة، وقرر أن يقدم المساعدة لجاره، على الرغم من الصعوبات التي كانوا يواجهونها في منزلهم أيضًا. خرج من تحت الفراش صرة من المال، كان قد جمعها على مدار سنوات، وقام بإعطاء نصفها لجاره، مع العلم أن هذا المبلغ قد يكون ضروريًا في المستقبل القريب. وأعاد النصف الآخر إلى مكانه، وأغلق الصرة بشكل محكم.

لكن، لم يكن الجار الذي كان يعتقد والدي أنه في حاجة للمساعدة، كما كان يبدو. فقد كان هذا الجار يراقب عن كثب المكان الذي وضع فيه والدي المال، وفكر في طريقة للاستيلاء عليه. كانت شياطين الطمع تلعب بعقله، وبدأ في رسم خطة شيطانية.

خطة الشريرة

قرر الجار أن يستغل الموقف لصالحه. فكر في طريقة لسرقة المال من خلال جعلني أنا، الطفل الصغير، أذهب إلى أقصى المزرعة، كي تخرج أمي للبحث عني وتترك المنزل خاليًا، ليتمكن من التسلل والسرقة في غياب والدي. كان يظن أن والدي لن يكون في المنزل عندما ينفذ خطته.

نفذ الجار خطته الشريرة، وأخذني إلى أقصى المزرعة، حيث كان المطر يتساقط بغزارة. أثناء ذلك، سمعت أمي صرخاتي، فركضت سريعًا نحو الصوت وهي تنادي: "طفلنا يصرخ في الخارج، كيف خرج وهو لا يستطيع الحركة؟ لابد أن هناك شيئًا غير عادي." أصرت أمي على أن يخرج والدي معها، وفعلاً خرجا معًا، في محاولة للعثور عليّ.

لكن الأمور لم تسر كما خطط لها الجار. بينما كان والدي وأمي يبحثان عني، وجد الجار نفسه في مواجهة غير متوقعة. فاجأه وجود والدي وأمي في الخارج، ولم يتمكن من تنفيذ خطته. وعندما عادوا إلى المنزل، اكتشفوا أن الأمطار قد تسببت في دمار كبير في المنزل. كان الوضع في غاية السوء، لكنهم تجاوزوه بروح التفاؤل والصبر.

في تلك اللحظة، قال والدي لأمي: "من أخرج الطفل إلى الخارج هو الملائكة، ليحفظونا من الموت في المنزل." كانت تلك الكلمات تحمل رسالة عميقة عن الرعاية الإلهية، وعن كيف أن الله يرعى عباده في أوقات الشدة والبلاء.

قدر الله

في تلك الليلة، قرروا البقاء في منزل أحد أقاربهم، بعيدًا عن خطر الأمطار الغزيرة. وفي الصباح، عادوا إلى المنزل لتفقد ما تبقى من أمتعتهم. وهنا كانت المفاجأة الكبرى. اكتشفوا أن الجار قد مات في المنزل، وكان ممسكًا بالصرة التي كان يخطط لسرقتها. كانت تلك لحظة حاسمة في حياتهم، فقد تحقق لهم ما كانوا يظنونه مجرد صراع للبقاء على قيد الحياة، إذ كانت العدالة الإلهية قد تحققت، وظهر التدبير الإلهي في أسمى صورة.

وهكذا، تذكّر والدي الجميع بأن العدالة الإلهية لا محالة تتحقق في النهاية، وأن تدبير الله في الأمور ليس له نظير. مهما كانت خطط البشر وما يظنون أنهم قادرون على تحقيقه، فإن إرادة الله هي التي تتفوق في النهاية. الله هو من يدير شؤون الكون وفقًا لحكمته التي لا يدركها أحد.

قال تعالى: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ  وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" [سورة الزلزلة 7-8]. هذه الآية تبرز مفهوم العدالة الإلهية، وتؤكد أن كل عمل، مهما كان صغيرًا، له عواقب إما خيرًا أو شرًا.

الخلاصة 

إن هذه القصة تبرز لنا حقيقة أن التدبير الإلهي، مهما كانت المخططات التي يضعها البشر، يظل هو الفاصل في النهاية. أظهرت هذه التجربة للأهالي في القرية أن الله وحده هو القادر على رد كيد الكائدين، وأن التوكل على الله والاستعانة به في الأوقات الصعبة هو الطريق الأمثل لتحقيق العدل والنجاة.

تعليقات