قصة القهوة المالحة

كان يتابعها بعيون مليئة بالفضول كلما مرت من أمامه، تتردد على نفس المكان في أوقات مختلفة. قوبل إحساسه بالحب الأولي بخجل كبير جعله يقف في موقع المتفرج، لكنه في النهاية قرر أن يستجمع شجاعته ويسأل عنها. عرف عنها من أصدقائه أنها فتاة ذات خلق رفيع، وعشقه لها ازداد يوماً بعد يوم.

قصة القهوة المالحة

كان هو شاباً عادياً، ليس له من المظاهر ما يجعله يلفت الانتباه، ولكنه كان يتمنى من كل قلبه أن يكون له مكان في حياتها. جاء اليوم الذي قرر فيه أن يتحدث إلى عائلتها ليطلب يدها للزواج. عندما تلقى الموافقة، امتلأ قلبه بفرحة لا توصف، وأصبح يطمح إلى بناء حياة جديدة معها.

في إحدى الأمسيات، دعتها إلى تناول فنجان قهوة في مقهى هادئ. جلسا في زاوية منعزلة، وكان هو في حالة من الاضطراب الشديد، حتى أنه لم يتمكن من التركيز في الحديث. لاحظت هي توتره، ولكنها اختارت أن تكون لطيفة ورقيقة، فابتسمت له برفق عندما تقابلت نظراتهما.

فجأة، طلب منها بصوت خافت قائلاً: "من فضلك، أحتاج بعض الملح لقهوتي". نظرت إليه باندهاش، فقد كانت هذه المرة الأولى التي تسمع فيها عن القهوة المملحة. خجل من تصرفه وأصر على شرب القهوة على حالها، رغم أن طعم الملح كان غريباً عليه.

عندما سألته عن سبب إضافة الملح إلى القهوة، أجاب: "عندما كنت صغيراً، كنت أعيش بجوار البحر وأحب طعمه المالح. كلما شربت قهوة مملحة، يذكرني ذلك بطفولتي وبعائلتي التي ربتني وساهمت في بناء مستقبلي. أتمنى أن يكونا في الجنة الآن."

تأثرت بكلماته، وبكت فرحاً، لأنها وجدت في هذا الرجل العاطفة والحنان والوفاء الذي كانت تتمنى أن تجده. دعت الله أن تكون حياتها معه مليئة بالسعادة والرحمة.

مرت السنوات، وكان كل صباح يبدأ بصناعة قهوة مملحة له، حيث أصبح هذا الطقس جزءاً من حياتهما اليومية، مهما كان غريباً. بعد مرور أربعين عاماً، ووفاة زوجها، كان لديها ستة أطفال ناجحين، منهم أطباء ومحامون ومهندسون. قدمت لهم أسرة مليئة بالحب والتربية السليمة.

قبل وفاته، ترك رسالة لزوجته يعترف فيها بأنه لم يحب القهوة المملحة أبداً، بل كان فقط يطلبها لأن عذراً في أول لقاء بينهما، ولكنه استمر في شربها طوال حياته معها لأنها أصبحت رمزاً لحبه وإخلاصه. ختم رسالته بتمنياته أن يلتقيا في الجنة.

تأثرت بشدة عند قراءة الرسالة، وفاضت دموعها حزناً على فقدان حبيبها، ولكنها كانت ممتنة للحياة التي عاشتها معه. أجابت ابنها عندما سأل عن طعم القهوة المملحة، بأنها لم تكن فقط طعماً غريباً، بل كانت رمزاً لذكرى حب طويل مليء بالسعادة.

أجابت: "إنها على قلبي أطيب من السكر، إنها ذكرى عمري الذي مضى"، وفاضت عيناها بالدموع.

هذه ليست قصة من قصص الخيال، بل حدثت فعلاً.

أيها الآباء، لماذا لا نختار لبناتنا أزواجاً من هذا القبيل؟

لقد قيل: "ما من رجل عظيم إلا وخلفه امرأة"، أي امرأة تسانده وتغير من عاداته بالرفق واللين والقدوة الصالحة.

نسمع عن حالات طلاق بسبب عدم تحمل المرأة لتصرفات زوجها، فإذن، لماذا لا تسعى لتغيير زوجها بقدوتها الصالحة؟

لماذا لا تدعو له في صلاتها؟ فلا يرد القدر إلا الدعاء، ولن يهلك مع الدعاء أحد.

لماذا تختار الفتاة زوجها بنفسها، بينما قد تواجه مشكلات لا حل لها، والديها لا يزالان على قيد الحياة؟

لقد قيل: "من ليس له كبير فقد التدبير."

في دراسة نفسية أجريت في معهد للطب النفسي الأسري بالقاهرة، وبناءً على استبيانات ودراسات حالات، تبين أن المتزوجين بلا معرفة سابقة بينهما كانت بيوتهم أشد ثبوتاً وحياتهم أكثر استقراراً وهناءً.

إن من يبدأ حياته بنظرة ثم ابتسامة ثم إلى آخر هذه الأمور إنما يضع أساس حياته على معصية من الله. والله سبحانه وتعالى يقول: "ولا تواعدوهن سراً."

فالحب لا يأتي قبل الزواج، بل بعده، وهذا باتفاق أولي الرأي والعلم. بل إن الله تعالى يقول: "وجعل بينكم مودة ورحمة."

قبل الزواج، لم يكن أحدهما يعرف الآخر، أما بعد الزواج فسيتولى الله عز وجل هذا الأمر ويجعل بين الزوجين المودة والرحمة.

نسأل الله لقلوبنا الهداية، ولنفوسنا الطمأنينة، ولبيوت المسلمين الهناء والحب دمتم في رعاية الله .

تعليقات