قصة وعبرة:أكبر جنازة في التاريخ الإسلامي

استفاق السلطان سليمان القانوني من نومه، عرق يملأ جبينه وفزع في عينيه. في تلك الليلة، كان قد حلم برؤية تسببت في قلقه العميق، فتوجه إلى حراسه المقربين وقال بصوت يعكس الأرق الذي يعاني منه: "جهزوا لنا الخيل، اليوم نخرج متنكرين لنتفقد أحوال الناس عن قرب." 

توجه السلطان مع حارسه إلى شوارع المدينة، مرتديين ملابس بسيطة لا تميزهم عن عامة الناس. وبينما كانوا يجوبون الشوارع، مروا بجثة رجل ملقاة على جانب الطريق. كان المنظر محزنًا للغاية، لكن الأكثر إزعاجًا هو عدم اهتمام الناس بالجثة وعدم اقترابهم منها. 
قصة وعبرة:أكبر جنازة في التاريخ الإسلامي

سأل السلطان بعض المارة: "جثة من هذه؟" 
أجابه أحدهم بصوت منخفض: "إنها جثة رجل زان وشارب للخمر، وليس له أولاد أو عائلة، وزوجته الوحيدة لا يستطيع أحد من الناس أن يساعدها في دفنه."

اشتعل غضب السلطان وقال: "أليس هذا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لماذا يُترك هكذا؟" 

أخذ السلطان الجثة على عاتقه، وأمر حارسه بأن يتبعوه إلى بيت الزوجة. عند وصولهم، وجد السلطان الزوجة جالسة في حالة من الحزن العميق، تبكي بكاءً مريرًا. تعجب السلطان وسألها: "لماذا تبكين؟ إن زوجك كان زانيًا وشاربًا للخمر، وليس له من يسأل عنه."

أجابت الزوجة من خلال دموعها: "لقد كان زوجي زاهدًا وعابدًا لله، وكان يعيش بيننا في جهاد ضد شهوات نفسه. لم يكن له أولاد، ومن شدة حبه للذرية، كان يشتري الخمر ويصبه في المرحاض، قائلاً: 'الحمد لله أني خففت عن شباب المسلمين بعض المعاصي. كما كان  يحرص على دعم المحتاجين، وكان يذهب إلى النساء اللاتي يرتكبن الفاحشة، ليقدم لهن المال ويطلب منهن العودة إلى بيوتهن، متمنيًا أن يكون قد خفف عنهن عبء المعصية. كان يقول:  'الحمد لله أنني خففت عنهن وعن شباب المسلمين بعض المعاصي.

وكانت الزوجة تحذره: "الناس لا يرون سوى الظاهر من أعمالك، وعندما تموت، لن تجد من يغسلك ويدفنك." لكن الرجل كان يضحك ويجيب: "سيصلي علي السلطان والوزراء والعلماء وجميع المسلمين."

بكى السلطان سليمان عندما سمع هذه الكلمات، وتأثر بعمق بتفاني الرجل وتواضعه، وارتفعت مشاعره بالتعاطف والرحمة. قال بصوت مفعم بالعزم: "ولله إني أنا السلطان سليمان، وإنه لصادق. سأغسله وأدفنه بنفسي، وسأجمع جميع المسلمين للصلاة عليه."

جمع السلطان سليمان الجيش والأمراء والعلماء والشعب، ليشهدوا جنازة هذا الرجل. كان التجمع هائلًا، وصلاة الجنازة تُعتبر الأكبر في تاريخ الإمبراطورية العثمانية. الدموع اختلطت بالتراب، وتذرف القلوب.

كانت هذه اللحظة درسًا في الإنسانية والتواضع، وذكرت الجميع بأن الحكم على الآخرين بناءً على مظهرهم فقط يمكن أن يكون مضللًا. تعلم الجميع أن الأفعال الصالحة التي يقوم بها الإنسان قد تكون خفية عن أعين الناس، ولكنها معروفة لدى الله وحده.

أصبح هذا الحدث رمزًا للرحمة والعدالة، وعاش كدرس خالد في ذاكرة الأمة الإسلامية، يذكرهم بأهمية الصدق في النية والأعمال الصالحة التي لا يعلمها إلا الله.
تعليقات